شَبَكَةُ دُورِ اللُّغَةِ العَرِبَّيةِ


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شَبَكَةُ دُورِ اللُّغَةِ العَرِبَّيةِ
شَبَكَةُ دُورِ اللُّغَةِ العَرِبَّيةِ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأمر وأغراضه المجازية

اذهب الى الأسفل

الأمر وأغراضه المجازية Empty الأمر وأغراضه المجازية

مُساهمة  سيبويه الأحد يوليو 03, 2011 3:01 am

(أسلوب الأمر، وأغراضه البلاغية)
الأمر: هو طلب الفعل على وجه التكليف والإلزام بشيء لم يكن حاصلاً قبل الطلب وفي وقته على جهة الحقيقة أو المجاز، كقولنا: "أَمْسِك نفسَك عند الغضب". فمن أراده على الحقيقة جاز لـه ذلك، ومَن أَوّله على المجاز لم يخب ظنّه في إطار مفهوم المقاصد.
أولا: أساليب الأمر:
أساليب الأمر قسمان: أساليب حقيقية، وأخرى مجازية.
القسم الأول: أساليب الأمر الحقيقي:
أساليب الأمر الحقيقي (الأسلوب المباشر): لم تختلف الدراسات البلاغية في هذا النوع وفي صيغه؛ فهو طلب الفعل على جهة الاستعلاء من الأعلى إلى الأدنى على جهة الحقيقة والإلزام بفعله. وللأمر صيغ أربع هي:
1 ـ صيغة الأمر المعروفة:
وعليه قوله تعالى: (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا)،(1) وقوله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)،(2) ونحو قول مروان بن الحكم للفرزدق:
ودَعِ المدينة، إِنَّها مَرْهوبةٌ واعمَدْ لمكَّةَ أَوْ لبَيْتِ المَقْدسِ
ألق الصحيفة يا فرزدق؛ إنها نكراءُ مثلُ صحيفة المُتَلمِّسِ
2 ـ الفعل المضارع المقرون بلام الأمر:
ومثاله الفعل (لِيُنْفق ـ ليوفوا ـ ليطوفوا) من قوله تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)،(3) وقولهSadثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).(4) فعلى الرغم من أن صورة الفعل المضارع تثير حركة ما مع اقترانها بلام الأمر إلا أنها ذات اتجاه ثابت في الخطاب والتأثير، وهي موجهة على سبيل الاستعلاء الحقيقي.
3 ـ اسم فعل الأمر:
هو كلمـة تدل على ما يدل عليه الفعل، ولا تقبل علامته. وهو يلزم صيغـة واحدة ـ غالباً ـ مع المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث إلا ما لحقته كاف الخطاب فيراعى فيه المخاطب في الحالات السابقة، مثل: (عليكَ، دونكَِ، رويدكَِ) فيمكن أن نقول: "عليكما ـ دونكما ـ رويدكما ـ عليكم ـ دونكم ـ رويدكم..."، فضلاً عن أن التنوين يلحق بعض صيغه فيفيد معنًى إضافيًا وإن لزم حالة واحدة؛ مثل: (مَهٍ، وصَهٍ، وإيهٍ). وقيل في (هاك) ـ بمعنى خذ ـ إنها تتجرد من الكاف وتصبح (ها)، ويجوز أن تلحقها الهمزة، وتتصرف؛ فنقول: للواحد (هاءَ)، وللواحدة (هاءِ)، ولجمع الذكور (هاؤم) كقولـه تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ)(1) أي: خذوا. وكذلك ذهب قوم إلى عدم إلزام (هاتِ) حالة واحدة، بل يتصرف؛ ويخاطب به المذكر والمؤنث؛ كما في معلقة امرئ القيس؛ وكقوله تعالى: (هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).(2) ومثله اسم الفعل (هلمَّ: تعال) فنقول: "هلموا إلينا"، وإن جاء بصيغة واحدة في قوله تعالى: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا).(3)
أقسام اسم فعل الأمر:
وهي ثلاثة أقسام:
(أ) أسماء مرتجلة: (أي وُضعت في أصلها كذلك)، ومنها: (آمين: بمعنى استجب)، و(صَهْ: اسكت)، و(مهْ: اكفف)، و(بَلْهَ: دَعْ أو اترك)، و(حيَّ: أَقبلْ)، و(إيهِ: ازدَدْ، أو أقبل).
(ب) أسماء منقولة:
أي أنها تنقل عن جار ومجرور، أو ظرف، أو مصدر، أو تنبيه، وتتغير الدلالة والإعراب كقولنا: (عليكَ نفسَك): أي الزمـها؛ وعليه قولـه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)،(1) وقولنا: "إليكَ عني": (أي تنحَّ، وابتعد).
ومن ذلك قول الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ:
عليكَ بِبِرِّ الوالدين كليهما وبِرِّ ذوي القُرْبى وبِرِّ الأَباعدِ
فلفظ (عليك) اسم فعل أمر بمعنى (الزم)، وبهذا انتقل دلالة وإعراباً من الجار والمجرور إلى اسم فعل الأمر.
ومن أمثلة ما نقل عن الظرف قولنا: (دونكَ الكتاب: أي خذه) و(دونك النمر: أي ابتعد عنه) و(مكانَك: أي اُُثبت). ومن أمثلة ما نقل عن المصدر قولنا: (رُوْيَدك: تمهَّل)، و(بَلْه الشَّرَّ: اتركه). وقلنا أيضاً: ينقل اسم الفعل من كلمات تفيد التنبيه كما في (ها) كقولنا: (ها الكتابَ: أي خذه). وهذه الأسماء والتي تليها لا تقع إلا في الأمر، فهي لا تقع في الماضي، والمضارع.
(ج) أسماء معدولة:
هي أسماء عُدلت عن فعل الأمر؛ كقولنا: (نَزَالِ) و(حَذَارِ) فهما معدولان عن فعل الأمر، وذلك نحو: " حَذَارِ عملَ المنكر أيها الرجل "، أي: اترك عمل المنكر.
4 ـ المصدر النائب عن فعله:
هو اللفظ الدال على الحدث غير مقترن بالزمن؛ متضمن أحرف فعله لفظاً، كقوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)؛(2) فلفظ (إحساناً) ناب عن فعل الأمر (أَحْسِن)؛ وكذا المصدر (صَبْراً) ناب عن (اصْبِر) في قول قطري بن الفجاءَة:
فصَبْراً في مجال الموت صبراً فما نَيْلُ الخلود بمُسْتطاعِ
ولفظ (وقوفاً) ناب عن (قف) في كل من قول امرئ القيس:
وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيَّهم يقولون: لا تَهْلِك أسىً وتجمَّلِ
وقول أَشْجع السُّلَمي:
وقوفاً بالمطيِّ ولو قليلاً وهَلْ فيما تجودُ بِهِ قَليلُ؟
القسم الثاني: أساليب الأمر المجازية:
وإذا كان الأمر الحقيقي يُلقى على وجه الاستعلاء، فإن الأمر المجازي لا يشترط منزلة الاستعلاء بين المتكلم والمخاطب، أو بين الآمر والمأمور. فقد يكون الآمر أدنى منزلة ويستعمل صيغة الأَمر؛ ولهذا قيل: إنه ليس على الوجه الحقيقي للأمر، أي: خرج عن طور الحقيقة إلى طور المجاز. فكثيرًا ما يقتضي المقام استعمال صيغة الأمر في غير معناها الحقيقي؛ لعلاقة بين ذلك الغير، وبين معنى الأمر.(1)

ومن الأغراض البلاغية للأمر:
1 ـ الإباحة:(2)
وذلك إذا استعملت صيغة الأمر حيث توهم المخاطب عدم جواز الإتيان بالشيء، كما تقول: " حادث محمدًا أو محمودًا "، ونحو قولهم: " جالس الحسن أو ابن سيرين "، إذ له أن يحادث، أو يجالس أحدهما، أو كليهما، كما له ألا يحادث، أو يجالس واحدًا منهما أصلا.
ومن أحسن ما جاء فيه قول كثير عزة:
أَسِيئي بنا أَو أَحْسِني لا مَلُوْمةٌ لدينا، ولا مَقْلِيَّةٌ إِنْ تَقَلَّتِ (3)
ووجـه حسنه: إظهار الرضا بوقوع أحـد الأمرين حتى كأنه مطلوب يريد: أي الأمرين ـ من الإساءة والإحسان ـ اخترت فأنا راضٍ به كل الرضا، فعامليني بما شئت منهما، وانظري: هل تتفاوت حالي معك في الحالين؟
2 ـ التخيير:
قد يكون المقصود من الأمر التخيير، ومنه قول بشار بن برد:
فَعِشْ واحدًا أو صِلْ أخاكَ فإِنَّهُ مُقَارفُ ذنب مرَّة ومُجانبُهْ
أي: إذا أردت ألا يزال معك صديق فعش منفردًا، وذلك مستحيل، أما إذا أردت أن
تعيش مع الناس فسامح إخوانك، وصلهم على ما بهم من عيوب.

3 ـ التهديد:
وذلك إذا استعملت صيغة الأمر في مقام عدم الرضا بالمأمور به كما في قوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)،(1) ونحـو قولك: "افعلوا ما بدا لكم"، وإنما كان تهديدًا لظهور أن ليس المراد: أمرهم بكل عمل شاءوا، أو بكل فعل بدا لهم.
ومنه قوله تعالى أيضًا: (قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ)(2) أي: قل تمتعوا بشهواتكم، وفي التهديد بصيغة الأمر إيذان بأن المهدد عليه كالمطلوب؛ لإفضائه إلى المهدد به، وأن الأمرين كائنان لا محالة؛ ولذلك علَّله بقوله: (فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ)، وأن المخاطب لانهماكه فيه كالمأمور به من آمرٍ مطاع.
ومن أمثلته شعرًا:
إذا لم تخش عاقبةَ الليالي ولم تستحْي فاصنع ما تشاء
4 ـ التعجيز:
وذلك إذا استعملت الصيغة في مقام إظهار عجز من يرى أن في وسعه وطاقته أن يفعل أمرًا، وليس في مقدوره أن يفعله كما في قوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ)(3) وإنما كان تعجيزًا؛ لأن الإتيان بسورة من مثله فوق مقدورهم وطاقتهم.
ومن التعجيز قول مهلهل بن ربيعة:
يا لَبكر أَنشروا لي كليبًا يا لَبكر أينَ أينَ الفرارُ؟
فالأمر هنا مراد به التعجيز؛ لأن المقصود إعادة الحياة لكليب، وذلك خـارج عن طاقتهم، ومثله قول الشاعر:
أَرِينِي جَوَادًا مات هُزْلا لعلَّنِي أرَى ما تَرَيْنَ أو بخيلا مُخَلَّدَا
ومن الأمر الذي خرج إلى التعجيز أيضًا قول الطغرائي:
حبُّ السلامة يثني عَزْمَ صاحبه عن المعالي ويُغـري المـرء بالكسل
فإن جنحـت إليه فاتخـذْ نفقًا في الأرض، أو سُلَّمًا في الجو فاعتزل
5 ـ التسخير:
والمقصود به: جعل الشيء مسخرًا منقادًا، وذلك إذا استعملت الصيغة حيث يكون المأمور منقادًا لأمر لا حيلة له فيه، كما في قوله تعالى: (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ)(1) فليس الغرض من الأمر في الآية الكريمة: الطلب؛ إذ ليس في مقدورهم أن يكونوا قردة، وإنما الغرض التسخير، والفعل في التسخير قد حصل حال إيجاد الصيغة، وهو صيرورتهم قردة بقدرة الله تبارك وتعالى.
6 ـ الإهانة:
وهي إظهار ما فيه تصغير المهان، وقلة المبالاة به، وذلك إذا استعملت الصيغة في مقام عدم الاعتداد بشأن المأمور، كما في قوله تعالى: (قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا)،(2) فليس الغرض من الأمر في الآية الكريمة: الطلب؛ إذ ليس في مقدورهم أن يكونوا حجارة، وإنما الغرض: الإهانة، والفعل لا يحصل حال إيجاد الصيغة؛ لأن المقصود تحقير المخاطبين، وإظهار عدم المبالاة بهم، ومثل ذلك أيضًا قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)(3) إذ ليس المراد: الأمر بذوق العذاب؛ لأن الكافر حال الخطاب بالصيغة في غصص المذوق، ومحنته.
ومن ذلك أيضًا قول جرير في هجاء الفرزدق:
خذوا كحلا ومجمرة وعطرًا فلستم يا فرزدق بالرجـال

7 ـ التسوية بين الشيئين:
هو أحد أساليب الأمر، وهو طلب على جهة المساواة بين أمرين، لا على جهة التخيير بينهما، وذلك إذا استعملت الصيغة في مقام توهم المخاطب فيه رجحان أحد الأمرين على الآخر، كقوله تعالى: (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)(1) فقد يتوهم المخاطب أن الصبر نافع، فيدفع ذلك بالتسوية بين الصبر والجزع، ومثله قوله تعالى: (أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ)(2) فقد توهم أن الإنفاق طوعًا مقبول، دون الإنفاق كرهًا، فسوَّى بينهم في عدم القبول، فليس المراد بصيغة الأمر في الآيتين الكريمتين: الأمر بالصبر، أو بالإنفاق، بل المراد بها: التسوية بين الأمرين. ومنه قولـه تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).قال المتنبي:
عِشْ عزيزاً أو مُتْ وأنتَ كريمُ بيْنَ طَعْن القَنا وخَفْق البُنودِ
وقال الرصافي:
وأَحْسِنْ إلى مَنْ قد أَساء تكرُّماً وإنْ زادَ بالإحسانِ منك تَمَرُّدا
والتسوية هنا في المعنى، فالشطر الثاني مساوٍ في المعنى للأول ـ وهو قريب من التخيير، ولكنه لا يماثله في طرفي المعادلة.
8 ـ التمني:
وذلك إذا استعملت الصيغة في مقام طلب شيء محبوب لا قدرة للطالب عليه، ولا طمعاً له في حصوله؛ لتعذره، كقول امرئ القيس في معلقته:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فليس الغرض: طلب الانجلاء من الليل؛ لأن الليل ليس بما يخاطب ويؤمر، فحصول الانجلاء ـ كما طلب ـ متعذر، وإنما غرض المتكلم تمني ذلك تخلصًا مما يعانيه من تباريح الجوى.
وقال أبو العلاء المعري:
فيا موتُ زُرْ إِنَّ الحياةَ ذَميمة ويا نفسُ جِدِّي إِنَّ دهْرَكِ هازلُ
فهو يفضل الموت على الحياة، ويأمر نفسه أن تأخذ في طريق الجد؛ لأن الدهر غير جاد، والعلاقة بين الأمر والتمني السببية؛ لأن طلب الشيء الذي لا إمكان في حصوله سبب في تمنيه.
9 ـ الدعاء:
وفيه يتجه الآمر بكلامه إلى من هو أعلى منه على صِفة التضرّع، والضَّعف والابتهال، والرجاء، والاستكانة، والاستعطاف، أو الانتقام. فمن التضرع قوله تعالى: (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ)،(1) وقوله: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).(2) ووقع فيه معنى الاستكانة والضعف كما وقع الدعاء بالانتقام كما في قوله تعالى: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ)؛(3) لأنهم كفروا وضَلُّوا، ولا مطمع في إيمانهم.

ومن الاستكانة والاستعطاف قول النابغة الذبياني يخاطب النعمان بصيغة (مهلاً)، و(فداءً):
مَهْلاً، فِداءً لكَ الأقوامُ كلُّهمُ وما أُثَمِّر من مالٍ ومِنْ وَلَدِ
وقال كعب بن زهير يستعطف الرسول الكريم ويمدحه؛ ويبدأ بصيغة (مهلا):
مَهْلاً، هَدَاكَ الذي أَعطاكَ نافلةَ الـ قرآن فيها مواعيظٌ وتَفْصيلُ
وقال المتنبي يخاطب سيف الدولة يرجوه ويتوسل إليه أن يخلصه من كيد الحساد بصيغة (أَزِلْ):
أَزِلْ حَسَدَ الحُسَّاد عني بكَبْتهمْ فأنتَ الذي صَيَّرْتَهمُ لي حُسَّدا
فالمتنبي هنا لم يكتف بالأمر المباشر، وإنما لجأ إلى أسلوب التعليل غير المباشر لإظهار رغبته.
والعلاقة بين الأمر والدعاء: الإطلاق والتقييد؛ لأن الأمر طلب على وجه الاستعلاء، فأطلق عن قيده، ثم أريد منه الطلب على وجه التضرع ...، وهو معنى الدعاء.
10 ـ الالتماس:
وتستعمل الصيغة في الالتماس في مقام التلطف، كقولك لمن يساويك رتبة، ولو في زعمك: " افعل كذا "، دون استعلاء أو تضرع.
ومن ذلك قول أبي الطيب يخاطب سيف الدولة:
أخَا الجودِ أعْطِ الناسَ ما أنتَ مالِك ولا تُعْطِيَنَّ الناسَ مَا أنا قائل
فأبو الطيب يلتمس من سيف الدولة، ويقول له: أعط الناس أموالك، ولا تعطهم شعري.
11 ـ الإرشاد:
ومنه قول الأرجاني:
شاورْ سِوَاكَ إذا نابتْكَ نائِبَة يوْمًا وإن كنتَ من أهلِ المشورَات
وقال خالد بن صفوان ينصح ابنه:
" دَعْ من أعمال السِّرِّ ما لا يصلحُ لكَ في العلانية ".
ومن الاستكانة والاستعطاف قول النابغة الذبياني يخاطب النعمان بصيغة (مهلاً)، و(فداءً):
مَهْلاً، فِداءً لكَ الأقوامُ كلُّهمُ وما أُثَمِّر من مالٍ ومِنْ وَلَدِ
وقال كعب بن زهير يستعطف الرسول الكريم ويمدحه؛ ويبدأ بصيغة (مهلا):
مَهْلاً، هَدَاكَ الذي أَعطاكَ نافلةَ الـ قرآن فيها مواعيظٌ وتَفْصيلُ
وقال المتنبي يخاطب سيف الدولة يرجوه ويتوسل إليه أن يخلصه من كيد الحساد بصيغة (أَزِلْ):
أَزِلْ حَسَدَ الحُسَّاد عني بكَبْتهمْ فأنتَ الذي صَيَّرْتَهمُ لي حُسَّدا
فالمتنبي هنا لم يكتف بالأمر المباشر، وإنما لجأ إلى أسلوب التعليل غير المباشر لإظهار رغبته.
والعلاقة بين الأمر والدعاء: الإطلاق والتقييد؛ لأن الأمر طلب على وجه الاستعلاء، فأطلق عن قيده، ثم أريد منه الطلب على وجه التضرع ...، وهو معنى الدعاء.
10 ـ الالتماس:
وتستعمل الصيغة في الالتماس في مقام التلطف، كقولك لمن يساويك رتبة، ولو في زعمك: " افعل كذا "، دون استعلاء أو تضرع.
ومن ذلك قول أبي الطيب يخاطب سيف الدولة:
أخَا الجودِ أعْطِ الناسَ ما أنتَ مالِك ولا تُعْطِيَنَّ الناسَ مَا أنا قائل
فأبو الطيب يلتمس من سيف الدولة، ويقول له: أعط الناس أموالك، ولا تعطهم شعري.
11 ـ الإرشاد:
ومنه قول الأرجاني:
شاورْ سِوَاكَ إذا نابتْكَ نائِبَة يوْمًا وإن كنتَ من أهلِ المشورَات
وقال خالد بن صفوان ينصح ابنه:
" دَعْ من أعمال السِّرِّ ما لا يصلحُ لكَ في العلانية ".
15 ـ الدوام:
ومنه قوله تعالى: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)(1) فالأمر المراد منه الدوام، وهو بيان للمعونة المطلوبة، فكأنه قال: كيف أعينكم؟ فقالوا اهدنا. وهداية الله تتنوع أنـواعًا لا يحصيها عـد، ومنها: إفاضـة القـوى التي بها يتمكـن المـرء من
الاهتداء إلى مصالحه كالقـوة العقليـة، والحـواس الباطنة، والمشاعر الظاهرة، أو الهداية بإرسال الرسل، وإنزال الكتب ... إلخ.
16 ـ الاعتبار:
ومنه قوله تعالى: (انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ)(2) فالغرض من الأمر هنا الاعتبار، أي: انظروا إلى الثمر كيف يثمر ضئيلا لا يكاد ينتفع به، وإلى حال نضجه كيف يعود ضخمًا ذا نفع ولذة.
17 ـ التلهف أو التحسُّر:
ومنه قوله تعالى: (قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ)(3) فهذا دعاء عليهم بدوام الغيظ، وزيادته بتضاعف قوة الإسلام وأهله، حتى يهلكوا به تأسفًا وتحسُّرًا حيث لم يجدوا إلى التشفي سبيلا.
ومن ذلك قول جرير:
موتوا من الغيظ غمًّا في جزيرتكم لن تقطعوا بطن واد دونه مضر
18 ـ الندب:
بأن تكون صيغة الفعل أمرًا ومعناه الندب، بمعنى أن المخاطب في حل من فعله، أو عدم فعله، نحو قوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ).(4)
19 ـ التسليم:
حيث يكون اللفظ أمرًا، والمعنى تسليم وتفويض بأن يصنع ما يشاء، نحو قوله تعالى: (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ)،(1) أي: اصنع ما أنت صانع، وكقوله تعالى: (ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ)،(2) أي: اعملوا ما أنتم عاملون.
20 ـ الوجوب:
وذلك بأن يكون اللفظ أمرًا، والمعنى الوجوب، نحو قوله تعالى: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ).(3)
21 ـ الخبر:
وقد يكون اللفظ أمرًا، والمعنى خبر، نحو قوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)(4) فهذا إخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا والآخرة، أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على أنه حتم واجب.
وبذلك يمكن القول أنه لا يمكن لباحث أن يحيط بأساليب الأمر المجازية ومعانيها عند دارسيها لتعدد الرؤى والمواقف. وكلها تؤكد عظمة أساليب العربية في جماليتها المثيرة. فالوظيفة أياً كان نوعها تغدو مثيرة في عقل المتلقي. فكل أسلوب من أساليب الأمر المجازية قدّمت نفسها في إطار الشروح والإيضاح مرة، وفي إطار التعليل مرة أخرى... وهكذا.
فجمالية أسلوب الأمر أكدت أننا لا نتعامل مع جملة لغوية صمَّاء؛ وإنما نتعامل مع جملة فاعلة وحيوية في استحضار المعاني المتعددة وبيان وظيفتها. وهذا نفسه الذي قامت عليه الدراسات الأسلوبية الحديثة، وكان القدماء قد تنبهوا إلى الجانب الشكلي في النسيج الفني، فالشاعر كالنَّساج الحاذق الذي يُفَوّف وَشْيَهُ؛ ثم جاءت البلاغة لتوضح ذلك دون أن تنسى القصدية من أي عمل فني.
والله تعالى أعلى وأعلم






سيبويه
مراقبة عامة

عدد المساهمات : 2
تاريخ التسجيل : 29/06/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى